موت الإنسان في الحداثة الغربية من التنوير إلى العولمة
27 فبراير، 2016
294 7 دقائق
يمنات
عبد الملك العجري
ينسب لخطاب الحداثة والتنوير نزعتها الإنسانية بإزاحة “الإله” من موقعه في مركز الكون كما في القرون الوسطى وإحلال الإنسان محلة كمركز للكون, في عملية تحول اسماها الفيلسوف الفوضوي نيتشة “موت الإله” لكن سرعان ما تبخرت تلك الوعود التي بشر بها خطاب التنوير ويسقط الإنسان عن عرشه وينطحن تحت ترورس الحداثة التقنية وتسقط معه السرديات الإنسانية الكبرى. توج هذا السقوط بالإعلان رسميا عن “موت الإنسان”. و قد نعاه مفكرين كبار أمثال فوكو و ستراوش والتوسير وهيدجر، فالإنسان الذي بشرت به النزعة الإنسانية ما هو الا فكرة عاطفية تافهة.
لم يؤد الترشيد العقلاني الى الحرية والعدالة والمساواة بل إلى تشيئة الإنسان وتسليعه, و الوجه الإنساني للغرب الليبرالي قناع ظاهري يخفي تحته قبحا إنسانيا فضيعا.
يقول فوكو لم يكن المجتمع التالي على الثورة الفرنسية مجتمعا يضمن الحرية والعدالة، بل مجتمعا يضمن الأداء الجيد من قبل كل فرد لأدواره المحددة له سلفا، المجتمع الذي يسير بدقة وكفاءة الآلة. ولم تكن ممارسة السياسة فيه على أساس نموذج العقد الاجتماعي، بل على أساس الضغوط والمساومات والإكراهات، ولم يكن مجتمع الحقوق بل مجتمع الواجبات والإلزامات والتعليمات، “لا مجتمع الإرادة العامة بل مجتمع الطواعية الآلية .. وفيما كان الفلاسفة والقانونيون يبحثون في نظرية العقد عن نموذج أولي من أجل إعادة بناء الجسم الاجتماعي، كان العسكريون ومعهم التقنيون المتخصصون في الانضباط يعدون الإجراءات من أجل الإكراه الفردي والجماعي للأجسام”.
الخطاب الليبرالي يتأسس على الفردية والمنفعة الشخصية ويشجع على الغرائزية, وتاليه السوق وتسليع الإنسان, الثقافة والعقل والجسم, الفرد عند السياسي الليبرالي هو صوت انتخابي واحد, والحرية في نظر الاقتصادي الليبرالي لا علاقة لها بتحرير الإنسان بل بتحرير الرأسمال الاقتصادي.
المسألة الاقتصادية مفصولة عن الأخلاق والعدالة الاجتماعية تركز بافراط على الربحية وترجحها على أي اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية حيث الإنسان في ظل نظام اقتصاد السوق كما يقول ماكس فيبر – مسكون في أعماقه بأخلاق تعظيم الربح وتحسين النجاعة متنكبا عن كل ما هو مقدس وجليل باعتباره شاغلا عن النجاح في العالم الدنيوي.
هذا الفراغ في بنية الحضارة الغربية منذ قرن على مستوى الفرد ومستوى المجتمع والدولة تجلي سابقا في الحقبة الكولونيالية, والنظرة الفوقية للأخر غير الغربي أو نهب ثروات الشعوب و بسط هيمنتهم على الضفة الشرقية.
و يتجلى في مشاهد القتل والموت والدماء والأشلاء الممزقة و المبعثرة لم تحرك الضمير الإنساني و لم توقظ الهاجع الحضاري لدول الغرب.
إنسانية الغرب إنسانية جغرافية تتبخر على حدود الضفة الشرقية للبحر المتوسط. حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية و غيرها من الشعارات التي ترفعا الغرب المتحضر أصبحت بمثابة دعابة سمجة وإلا لكنا رأينا لها أثرا على ما تقترفه طائرات مخبول الرياض في اليمن من أعمال وحشية و همجية تخلو من أي غرض عسكري او سياسي سوى إرادة الانتقام والإذلال.